في جولة بين النخيل برفقة أحد أفراد عائلتي، أسرتني هيبتها ووقوفها الشامخ. كانت تقف كأنها تُشهِد الزمن على ثباتها؛ لا تتصنّع الصمود، بل تعرفه بالفطرة. لا تتباهى، لكنها تأسر بحضورٍ صامت.
عبّرت له عن شعورٍ غامر بالانبهار، فالتفت إليّ وقال: "إذا كنتِ مثل النخلة، ما عليكِ خلاف."
وبفضولٍ اعتاده مني، استوضحتُ مقصده.
فكانت إجابته، كعادته، مختصرة وبليغة...
لكن ما ترسّب في ذاكرتي لم يكن كلماته، بل ما فهمته منها.
فالنخلة ليست مجرد شجرة؛ بل تجسيد حيّ للبركة، والأصالة، والامتداد. عربية الجذر، موغلة في التاريخ، تحمل في جذعها ذاكرة الصبر، وفي جذورها فطنة البقاء. لا تستجدي الماء حين ينحبس المطر، بل تنحت طريقها إلى الأعماق لتبلغ ارتواءها.
ثابتة المغارس، عصيّة على الاقتلاع، لا تُزحزَح بسهولة، ولا تذعن لمحاولات اجتثاثها. وإن اضطرت للسقوط، تسقط واقفة؛ كأن السقوط آخر تجلٍّ لصلابتها.
ليست النخلة ممن يكافئ الزرع العابر؛ بل تُثمر لمن سقاها، ورعاها، وانتظرها في صبرٍ لا يُقايَض.
وإن أعطت، كفَت. تمرها غذاء، وظلها أمان، وسعفها مأوى. خُلقت لتكون نفعًا خالصًا، من الجذر إلى السعف.
منذ ذلك الحوار، صار تأمّلي للنخل أشبه بلقاء مع ذاتي التي أصبو إليها. شموخٌ صامت، وثباتٌ أنيق، وعطاءٌ لا يستعرض نفسه.
وخلال الرحلة، تعلّمت الكثير — عن نفسي، عن الصبر، عن الشجاعة، وعن المعنى الحقيقي للقوة. وما كنت لأحتفظ بهذه الدروس لنفسي.
هكذا وُلدت “نخلة”: بودكاست ومساحة يُحتفى فيها بالمرأة القوية.
